وكالة مهر للأنباء - القسم الدولي: رغم رفض بعض الاطراف والقوى السياسية والحزبية لأي حوار وطني قبل الانتخابات الرئاسية، فإن الوقائع الداخلية اللبنانية تؤكد أن الحوارات الوطنية تتمدد اليوم في كل الاتجاهات من أجل معالجة الازمات المختلفة وفي مقدمها الانتخابات الرئاسية، ولا يقتصر الهدف من وراء هذه الحوارات التمهيد لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، بل هي تشمل العديد من الملفات والموضوعات بهدف تحصين الوضع الداخلي والاتجاه نحو تسوية وطنية شاملة ترافق عملية انتخاب الرئيس الجديد وتساعد في معالجة كل القضايا الكبرى بما يتزامن مع اجواء التهدئة الحاصلة في المنطقة.
وفي هذا الصدد أجرت مراسلة وكالة مهر للأنباء "وردة سعد"، حواراً صحفياً مع الكاتب والمحلل السياسي الاستاذ "سركيس ابو زيد"، واتى نص الحوار على الشكل التالي:
** في الايام القليلة الماضية صعد قادة بعض القوى المسيحية من خطابهم السياسي في ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية اللبنانية.. وخصوصاً حزبي القوات والكتائب!! فما اسباب هذا التصعيد في الخطاب؟ وهل يشير الى امر عمليات خارجي ام انه تعبير عن القلق من تغير الموازين الخارجية؟
البعض يلجأ الى التصعيد لانه يعتقد ان هذه الوسيلة هي لتوحيد الصفوف وشد العصب الطائفي، هذه الطريقة ستؤدي الى حروب وفتن وردة فعل...
تصعيد الاحزاب المسيحية ناتج عن حالة عجز وعدم القدرة بحسم الخيارات او التوافق فيما بينهم، هناك مساعي خارجية لاعادة احياء ما يسمى بالحلف الثلاثي اي "القوات الكتائب التيار"، وهذا الحلف يذكر ببداية الحرب الاهلية اللبنانية ويكونون الجبهة اللبنانية التي يحلم البعض بإعادة الحياة اليها، بالنسبة للبعض هذا التحالف يمكن ان يعيد الصلاحيات التي كان يتمتع بها رئيس الجمهورية المسيحي، وهذه المرحلة تجاوزها اتفاق الطائف ولم تعد واردة لان المسيحيين غير متوافقين وغير موحدين، ولم يعد يملكوا رؤية ونموذج يقتدى به، لذلك هناك حالة توتر عند البعض لانه يشعر انه في حالة تراجع بنسبة العدد، وذلك ناتج عن التراجع الديموغرافي المسيحي وتراجع التحالفات الخارجية المسيحية، وتراجع الدور والقدرة التي كان تمتلكها القوى المسيحية...
البعض يلجأ الى التصعيد لانه يعتقد ان هذه الوسيلة هي لتوحيد الصفوف وشد العصب الطائفي، هذه الطريقة ستؤدي الى حروب وفتن وردة فعل، وهذه ستؤدي الى خسارة للدور الماروني الذي كان رائدا ونهضويا وعروبيا في فترة البدايات، لذلك يشكل التصعيد نقطة ضعف وليس نقطة قوة..
** بعض المحللين ذهب في تفسير التصلب غير المنطقي في موقف زعيم حزب القوات سمير جعجع الى انه يسعى الى تفجير الوضع الامني وصولا لتحقيق الغيتو المسيحي باسم الفدرالية.. فهل ترى ان الانسداد في الافق السياسي الداخلي في لبنان يرجح احتمال الفوضى الامنية؟ وهل اللعبة الاميركية الاسرائيلية قد تصل الى حد تفتيت لبنان الى كانتونات فيدرالية؟
للاسف بأن نفس التجارب التي عرفتها الحرب الاهلية في 75 نشهد تكرارها بطريقة غبية في هذه الايام، لانه بتلك الايام ارسلت الجبهة اللبنانية وفدا الى الولايات المتحدة الأمريكية فجاء الجواب اذهبوا واتفقوا وتوافقوا مع سوريا، ويومها كان هناك تفاهم حول بعض الامور السياسية وحرب الكويت والكثير من المسائل التي شكلت نقاط تقارب بين الولايات المتحدة وسوريا، ولكن الجبهة اللبنانية والحلف الثلاثي لم يأخذوا بهذه النصيحة فكان رد الزعماء الانعزاليين طالما اميركا تخلت عنا سنذهب الى "اسرائيل" وهذا ما حصل، فكانت الكارثة على المارونية السياسية وعلى لبنان...
والان اخشى ان تتكرر نفس التجربة لأن هناك خيبة امل من الدول العربية والخليجية والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول التي كان يراهن عليها هذا الفريق، والان دخلت بمصالحة مع إيران ومع سوريا وغيرها، ولم تتقبل بعد هذه المتغيرات الاساسية التي حصلت ولا تريد ان تقرأ هذه التطورات، لذلك اخشى ان يذهب هذا الفريق الى التصعيد، لانه يعتبر بأن بهذه الطريقة يشد العصب وربما تستجر "اسرائيل" الى اجتياح جديد.. والكل يعرف ما هي النتائج المأساوية نتيجة هذا، علينا ان نكون حذرين في ذهاب هذا الفريق الى الخيار الاسرائيلي وان يضحي بالبلد وبإستقراره تحت وهم بأنه يستطيع ان يحيي صيغة التقسيم او الفيدرالية، وهذه الاحلام غير حقيقية لان الواقع غير ذلك، فهناك تداخل في السكان بين مختلف الطوائف ولا يوجد منطقة صافية من لون واحد، بل هناك تداخل مسيحي من الشمال الى الجنوب الى البقاع، فاذا حصل هذا الامر فستكون الاقليات المسيحية الموجودة في هذه المناطق هي الخاسر الاكبر..
** كثرت التحليلات عن لقاء "البخاري _ فرنجية" كيف تقرأون هذا اللقاء وهل سيرشح عنه موقفا واضحا للسعودية؟
بعض الاطراف اللبنانية التي تراهن على السعودية لا تدرك بأن هذه الاخيرة بعد الاتفاق مع ايران ستغير من نهجها ومن توجهاتها على الساحة اللبنانية...
العلاقات بين الوزير فرنجية والسفير السعودي كانت ايجابية وهذه التصريحات تدل على ذلك، عندما تشدد السعودية بأن ليس لديها فيتو على احد وهذا يعني بأن ليس لديها فيتو على سليمان فرنجية... بعض الاطراف اللبنانية التي تراهن على السعودية لا تدرك بأن هذه الاخيرة بعد الاتفاق مع ايران ستغير من نهجها ومن توجهاتها على الساحة اللبنانية وللاسف هذا الفريق لا زال يتوهم بأن الامور لم تتغير، مع العلم بأن هناك تغيير جدي في المواقف السعودية لذلك هناك حالة ارباك وتردد عند الفريق الانعزالي اي الفريق الذي كان يراهن على الخليج وعلى اميركا وغيرها، ولا يريد ان يصدق ان هناك تغييرات وتحالفات وبأن السعودية ودول الخليج ذاهبة الى الاستقرار، وهي تريد ان تخرج من كل الأزمات والمشاكل وبحاجة للاستقرار ليكون لديها نمو اقتصادي، لذلك اعتبر ان انتخابات الرئاسة ما زالت مؤجلة لانه لا يوجد تفاهمات جدية، البعض خسر الكثير ولا يريد ان يقدم تنازلات من اجل التوصل الى توافق رغم الطروحات التي يطرحها فرنجية بأنه سيكون رئيسا لجميع اللبنانيين وبانه سيعتمد التوافق والحوار بين الجميع من اجل انقاذ البلد، لذلك هم يخشون من هذا الحل لانهم يعتبرون بأن فرنجية هو اقرب الى سوريا والى محور المقاومة، وان انتصاره يعتبر خسارة لهم مع العلم بأن التوافق هو انقاذ البلد وانتصار للجميع..
** في لبنان اليوم جبهة جدل مفتوحة بشأن النزوح السوري الكثيف في الأراضي اللبنانية.. وهناك حديث حول سيناريوهات كثيرة بهذا الشأن.. فهل ترى ان المسألة لوجستية وتتعلق بما يمثله النازحون من ضغط اقتصادي وخدماتي ام ان لها ابعادا سياسية ومخاوف امنية؟
المشكلة بأن موضوع النازحين تبدل وتغير كثيرا مع بداية النزوح السوري الى لبنان بسبب الحرب التي شنت على سوريا، فريق 14 اذار هو الذي غطى دخول النازحين، وهو الذي حماهم، وهو الذي شجع على بقائهم في هذه الطريقة، ويومها كان يراهن هذا الفريق بأن يشكل منهم نواة لجيش للوقوف في وجه حزب الله، ولدعم مواقعه الداخلية، وهذا ما لم يحصل لان الحسابات لم تتطابق..
والان اصبح النازحون عبئا على الاقتصاد اللبناني، ونلاحظ بأن هذا الفريق مربك لانه من جهة يشعر بهذا الارباك ويتخوف من التغيير الديموغرافي على الساحة اللبنانية، ولكن من جهة ثانية له ارتباطات مع الخارج الذي طلب منهم تشكيل غطاء في لبنان للنازحين، لذلك مطلوب ان يكون هناك موقف لبناني موحد من هذا الموضوع، فمن له وضع اقتصادي شرعي وسليم يستطيع البقاء، اما الاشخاص الذين ليس لديهم وجود شرعي وقانوني عليهم ان يعودوا الى سوريا، وهذا يتطلب ان يكون هناك حوار جدي بين الحكومتين اللبنانية والسورية...
وهناك مسؤولية كبيرة على الدول الاوروبية التي تدعم النازحين ولكنها لا تريد ان تقدم لهم المساعدات في بلدهم وعلى ارضهم، تريد ان تبقي هذا الموضوع على الساحة اللبنانية لاستغلالهم كورقة ضغط على الدولة السورية، لذلك على لبنان ان يعالج هذا الموضوع بواقعية وبجدية وهذا لا يتم الا بحوار جدي كما قلنا بين الحكومتين..
** ماذا عن التحقيقات مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وقد ظهرت منذ فترة بعض الالاعيب القانونية التي تتحدث عن امكانية عدم ذهابه الى باريس لمتابعة التحقيقات هناك، سيما ان ضغوطات سياسية ومصرفية نجحت في ابعاد القاضية غادة عون عن الملف فإلى اين سيذهب ملف رياض سلامة؟
للاسف هناك من يعاقب القاضية غادة عون، بينما الذي هندس خراب الاقتصاد اللبناني ودمر المصارف اللبنانية والحياة الاقتصادية في لبنان يجد من يحميه...
للاسف بأن وضع حاكم لبنان الذي تلاعب بأموال المودعين، وهو الذي هندس الازمة المالية الكبيرة مع شركائه السياسيين وأصحاب النفوذ، والذين شكلوا مع المصارف الدولة العميقة في لبنان والتي ادت الى هذا الانهيار وهذه المسؤولية الكبيرة، نلاحظ بأن المحاكم الدولية وخاصة الفرنسية الاعيب حاكم مصرف لبنان وهي تعمل على ملاحقته، بينما نلاحظ ان في لبنان هناك من يعاقب القاضية غادة عون لانها وقفت في وجه الفساد وفي وجه حاكم مصرف لبنان، ولكن هناك قوى تستفيد من حاكم مصرف لبنان تشكل له جيش في الاعلام وفي السياسة وفي القضاء من اجل حمايته، وتؤمن هروبه وتغطيته من الملاحقة..
لذلك للاسف المتضررين لا يحصلون على حقوقهم، بينما الذي هندس خراب الاقتصاد اللبناني ودمر المصارف اللبنانية والحياة الاقتصادية في لبنان يجد من يحميه، ويحاول ان يشكل له غطاء للتغطية من العدالة الاوروبية ومن العدالة اللبنانية، للاسف ان هذه المأساة التي حصلت يجب ان يكون هناك محاكمة جدية لحاكم مصرف لبنان وهذا ما لم يحصل حتى الان..
** لا يشك احد من المراقبين الجادين للوضع في لبنان في اي ان المفاوضات الحقيقية حول ازمته السياسية والاقتصادية انما تجري بين حزب الله وفريقه السياسي من جهة والسعودية وادواتها من جهة اخرى… فهل تعتقد بامكان حدوث هذا الحوار بين الجانبين بشكل مباشر؟ وهل يمكن ان يلعب الوسيط الفرنسي دورا في هذا المجال لتسهيل مهمته والحل الذي يتبناه؟
ما حصل من اتفاق وتفاهم بين السعودية وايران بغطاء وبدعم من الصين سيكون له تداعيات على المنطقة ككل، وسيشجع الحوار ما بين حزب الله والاطراف العربية التي كانت ترفض دوره...
بشكل عام تتجه المنطقة الى نوع من التفاهمات والحوارات والاستقرار، وما حصل من اتفاق وتفاهم بين السعودية وايران بغطاء وبدعم من الصين سيكون له تداعيات على المنطقة ككل، وسيشجع الحوار ما بين حزب الله والاطراف العربية التي كانت ترفض دوره، الان هناك انتظار وترقب لان بعض الاطراف المسماة على فريق 14 اذار لا تريد ان تصدق ان السعودية تخلت عن دورها السابق، والان تتجه الى اعتماد سياسة التضامن العربي والتصالح مع سوريا، ودعم الجامعة العربية واعادة احياء المبادرة العربية لحل المسألة الفلسطينية...
كل هذه الامور لا يريد ان يصدقها هذا الفريق اللبناني، ولا يريد ان يتقبل المتغيرات حول هذا الموضوع، سيما انه سيكون هناك تقارب "شيعي - سني" في المنطقة، وسيكون هناك تقارب جدي بين محور المقاومة ومحور الخليج لان هناك مصالح مشتركة وستؤدي للمطالبة بالاستقرار في المنطقة، لاعطاء دور واهمية واعتبار للوضع الاقتصادي...
/انتهى/
تعليقك